تؤدي تكاليف الطاقة في ألمانيا إلى الإضرار بالقدرة التنافسية لقطاع التصنيع لديها، الذي شهد مؤخرًا تباطؤ الطلب المحلي وتراجُع الصادرات.
وتُعد الصناعة قطاعًا كثيف استهلاك الطاقة، إذ ارتفعت تكاليف تشغيلها بسبب الاستغناء عن الغاز الروسي “رخيص الثمن”، وقرار المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، استئناف التخلي المتهور عن الطاقة النووية (الذي اكتمل الآن)، حسب مقال اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
كما أدى مشروع آخر دعّمته ميركل بقوة، وهو الاستثمارات الضخمة في مصادر الطاقة المتجددة، إلى زيادة تكاليف الطاقة في ألمانيا.
وعلى الرغم من أن صناع السياسات المناخية يتباهون بالوظائف الخضراء (إذ يوجد بعض الوظائف، وإن كان عددها أكبر في الصين)، فإن الإحصائيات المهمة تتعلّق بعدد الوظائف الصافية، ويتساءل المحللون عمّا إذا كان تحول الطاقة يؤدي إلى خلق مزيد من الوظائف بدلًا من إلغائها.
المنافسة مع الصين
يتعيّن على الشركات المصنعة الألمانية أن تتعامل مع مشكلة أخرى متنامية، إذ حوّلت هذه الشركات، بتشجيع من مبادرة المستشارة السابقة، أنغيلا ميركل، “الجميع رابحون”، انتباهها إلى الصين.
وأوضح محرر نشرة “كابيتال ماترز” التابعة لمجلة ناشيونال ريفيو الأميركية (National Review)، المعنية بالشؤون السياسية والاجتماعية والثقافية، أندرو ستوتافورد، في مقال له، أن هذا النهج نجح لمدة من الوقت، والآن، بعد أن أخذت الشركات الصينية وتعلمت ما تريده، أصبحت تتنافس مع مورديها السابقين.
وأشار إلى قضية صغيرة تتعلق بما قد يعنيه تزايد قوة شركات تصنيع السيارات الصينية بالنسبة إلى نظيرتها في ألمانيا.
وأكد أن ألمانيا والصين تستهلكان أقل من اللازم محليًا، وهذا يعني أن الصادرات تشكّل أهمية استثنائية لصحة اقتصادهما.
ونقل موقع يوراكتيف عن كبير خبراء الاقتصاد لدى مركز الإصلاح الأوروبي the Centre for European Reform، ساندر توردوير، قوله “إن البلدين في مسار تصادمي، خصوصًا صناعتي السيارات والآلات”، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى “الدعم الهائل على مستوى الصناعة” في الصين.
في إشارة إلى الناتج الصناعي المرتفع بالبلاد في مواجهة الطلب المحلي المنخفض باستمرار، أكد توردوير، “أن الإفراط في الإنتاج بالصين مذهل للغاية في هذه المرحلة”.
وأردف: “بلغ عدد الشركات الصناعية الخاسرة في الصين ذروته عند نحو 180 ألف شركة في مارس/آذار 2024، وهو أعلى بكثير من أي وقت مضى في السنوات الـ25 الماضية”، بحجة أن الحكومة الصينية كانت تبقي الشركات عائمة من خلال دعم الصادرات.
وأوضح أن التمويل الحكومي كان يستهدف تحديدًا “قوى إنتاجية جديدة عالية الجودة” في الأشهر الأخيرة، خصوصًا “الطرف الأعلى من سلسلة القيمة الصناعية”، مثل السيارات والآلات والمواد الكيميائية ورقائق الكمبيوتر.
وهذا يعني أن الإعانات الصناعية الصينية والإستراتيجية الصناعية الشاملة تركز “على وجه التحديد على القطاعات التي تميل ألمانيا إلى أن تكون أقوى فيها، سواء بصفتها منتجًا أو مصدرًا”، حسبما أشار.
الطلب المحلي في الصين
قال المدير الإداري للتجارة الخارجية في رابطة مصنعي الآلات الألمانية “في دي إم إيه” VDMA، أولريش أكيرمان: على الرغم من ضعف الطلب المحلي في الصين على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن “الإنتاج يستمر كالمعتاد”.
ويرى أكيرمان أن الحكومة الصينية تحتفظ “بمصانع غير قابلة للاستمرار، ما يخلق فائضًا هائلًا من القدرة يدفع المنتجات إلى أسواق التصدير بكميات كبيرة”.
وأضاف: “تحاول كل مقاطعة وكل مدينة وفي بعض الحالات حتى كل منطقة إبقاء الناس في العمل، ودعم كل ما يمكنهم على جميع المستويات”.
وقال أكيرمان: “لقد ارتفعت الرغبة في دخول أسواق التصدير بصورة حادة، والحكومة الصينية تروج لهذا”، على سبيل المثال، ستُنشئ الدولة مخزونات لتلبية “الطلب العالمي السنوي على الحفارات”.
وفقًا لتحليل حديث أجرته رابطة مصنعي الآلات الألمانية في دي إم إيه VDMA، زادت الصادرات الصينية من الآلات حصتها السوقية من نحو 3% في عام 2001 إلى 18% في عام 2022 على مستوى العالم، متجاوزة ألمانيا بصفتها أكبر مصدر للآلات في العالم في عام 2020.
بدورها، حثّت الزميلة البارزة لدى مؤسسة بروجيل البحثية Bruegel ومقرّها بروكسل، أليسيا غارسيا هيريرو، الاتحاد الأوروبي على الضغط على الصين باستعمال إجراءات مكافحة الإغراق والرسوم الجمركية العقابية على الواردات.
وقال محرر نشرة “كابيتال ماترز” التابعة لمجلة ناشيونال ريفيو الأميركية، أندرو ستوتافورد: “يُعد كل مصنع غربي في الصين، شئنا أم أبينا، رهينة، كما هو الحال مع الصادرات الغربية إلى الصين”.
وأظهرت بيانات يوم الإثنين 26 أغسطس/آب الماضي أن مؤشر مناخ الأعمال التابع لمعهد إيفو The Ifo Institute انخفض إلى 86.6 في أغسطس/آب الماضي، من 87.0 في يوليو/تموز الماضي، ويُعد هذا الانخفاض الرابع في شهرين.
وقال رئيس معهد إيفو، كليمنس فويست: “إن الاقتصاد الألماني ينزلق إلى الأزمة”، مضيفًا أن “الشركات قيّمت وضعها الحالي بأنه أسوأ، وكانت التوقعات للمستقبل أكثر تشاؤمًا”.